
هل كانت الحكومة فعلاً تنتظر مجيء البابا إلى لبنان كي تستنفر وزاراتها، ودوائرها، وبلدياتها، لفرش الإسفلت حيث يلزم أو لا يلزم، وتُضيء الشوارع، وتكنس الأرصفة، وتُطلق ورشة تجميلية شاملة لم تشهدها البلاد منذ سنوات؟
سؤال يتردّد اليوم بنبرة لا تخلو من المرارة، لأن المشهد بدا، مرّة جديدة، كأن البلد يحتاج دائماً إلى “ضيف كبير” كي يتذكّر مسؤولو الدولة أن هناك مواطنين يعيشون على هذه الطرقات نفسها، ويعبرونها يومياً وسط الحفر والظلام والإهمال.
فعلى وقع التحضيرات لاستقبال البابا، تحوّلت بعض المناطق إلى ورشة مفتوحة: تعبيد عاجل هنا، إنارة جديدة هناك، دهان للأرصفة، حملة نظافة وإزالة عوائق… كل ذلك في وقت يعرف فيه اللبناني أنّ أيّ شكوى يومية عن حفرة تتسبب بحوادث متكرّرة، أو عن إضاءة شارع مطفأ منذ شهور، تحتاج إلى معجزة كي تجد طريقها إلى التنفيذ.
يطرح هذا التسارع المفاجئ في الأعمال سؤالاً أعمق من المناسبة بحدّ ذاتها: لماذا لا يكون تحرّك الدولة منتظماً ودائماً، بل مرتبطاً بمواعيد رسمية واستثنائية؟ ولماذا لا تكون الحقوق التي يُفترض أن يحصل عليها المواطن تلقائياً، مثل طرقات آمنة وإنارة سليمة وخدمات بلدية أساسية، جزءاً من عمل يومي، لا خدمة ظرفية تفرضها البروتوكولات؟
الاستعداد اللائق لاستقبال البابا خطوة محمودة، بلا شكّ، فلبنان، رغم أزماته، بلد يحفظ مكانة الضيوف ويحرص على صورته، لكن السؤال الذي يظلّ معلّقاً: متى يكون الضيف هو المواطن؟ ومتى تتعامل السلطة مع ابن البلد بالجدّية نفسها التي تُظهرها أمام العالم عند حلول المناسبات الكبرى؟
في نهاية المطاف، لا يحتاج اللبناني إلى تعبيد سريع بسبب زيارة، بل إلى دولة لا تنتظر مناسبة كي تقوم بواجباتها. وإذا كانت الطرقات تُرصّف اليوم احتراماً لشخصية عالمية، فالمواطن يأمل أن تُرصّف غداً احتراماً لكرامته.

