
في لحظة لا يمكن وصفها الا بالتاريخية، شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، برعاية مصرية ودعم إقليمي ودولي واسع. وهذا الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ منتصف ليل الأربعاء ـ الخميس، يُنهي جولة دموية من الحرب استمرت عامين ويومين، وحصدت أرواح عشرات الآلاف، وأحدثت دمارًا واسعًا في قطاع غزة.
ورغم أن بنود الاتفاق تبدو تقليدية، إلا أن ما يميز اتفاق شرم الشيخ عن سابقيه هو وجود ضمانات أميركية ودولية وعربية، تضمن تنفيذ الاتفاق ومحاسبة أي طرف يخلّ به، وهو ما قد يمنح الاتفاق فرصة للصمود هذه المرة.
وما ان اعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل للاتفاق، حتى بدأ الناس في غزة يتنفسون الصعداء بعد 24 شهرا ويومين من الحرب. وعلى الرغم من حجم الدمار الكبير، فإن أجواء الهدوء النسبي بعثت برسالة صامتة من قبل سكان غزة مفادها: “ما زلنا هنا”.
في المعطى السياسي، أثبتت مصر أنها لاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه في المعادلة الفلسطينية – الإسرائيلية، فبفضل علاقاتها المتوازنة مع الجانبين، وقدرتها على حشد دعم دولي، استطاعت القاهرة أن تجمع الأطراف المتنازعة على طاولة واحدة، بعد ان كانت قطر قد لعبت دورا مماثلا وكان لها الدور الكبير في اتفاق شرم الشيخ.
لكن ورغم الأمل الجديد، لا تزال التحديات قائمة، فالاتفاق لا يتطرق جذريًا إلى أسباب النزاع، مثل الحصار المستمر على غزة، وغياب أفق سياسي حقيقي لحل الدولتين، واستمرار الاستيطان في الضفة الغربية. كما أن هشاشة الوضع الداخلي لدى الجانبين تهدد بانفجار جديد في أي لحظة.
لكن هذا لا يلغي أهمية ما تحقق، إذ ربما لا يكون هذا الاتفاق نهاية الصراع، لكنه بالتأكيد بداية جديدة، إذا استثمرت الأطراف فيه، فقد يكون بوابة لتغيير أعمق.”
لقد كرست أشهر الحرب مقولة أن غزة لا تموت رغم الألم والدمار، وهي تثبت مجددًا أنها قادرة على النهوض. فاتفاق شرم الشيخ ليس مجرد توقيع على ورق، بل فرصة مهما كانت هشة لغدٍ أفضل. وما تحتاجه الآن ليس فقط الإسمنت لإعادة بناء البيوت، بل الإرادة السياسية لإعادة بناء الإنسان والأمل والمستقبل.