
بينما يتهيأ اللبنانيون لفصل الشتاء محمّلين بقلق الكهرباء والطرقات المتهالكة، تطلّ عليهم من جديد أزمة النفايات برائحتها الكريهة ومشاهدها المألوفة، لتعيد إلى الأذهان مشاهد قديمة وما تبعها من كوارث بيئية وصحية.
فالطرقات في عدد من المناطق، لا سيما في ضواحي بيروت وبعض بلدات جبل لبنان والشمال، بدأت تشهد تكدّسًا واضحًا لأكوام النفايات، وسط غياب أي تحرّك جدي من الجهات المعنية.
تعتمد عدد من البلديات على حلول مؤقتة منذ سنوات، عبر نقل النفايات إلى مكبّات “طوارئ”، كان يُفترض أن تُغلق بعد فترات قصيرة. لكن هذه المكبات تحوّلت إلى مواقع دائمة تفتقر لأدنى المعايير البيئية، فيما تتفاقم الأزمة مع كل خلل في جمع النفايات، أو مع تعطّل شركة من الشركات المتعهّدة عن العمل نتيجة خلافات مالية أو سياسية.
من المعروف ان فصل الشتاء، يشكل بطبيعته، عاملًا مضاعفًا في أزمة النفايات، فمع أولى زخات المطر، تنجرف النفايات المتراكمة نحو المجاري والمصارف الصحية، ما يؤدي إلى انسدادها وحدوث فيضانات في الشوارع، كما تُساهم المياه الملوثة الناتجة عن تحلل النفايات في تلويث المياه الجوفية والأنهار، مسببة أضرارًا بيئية وصحية جسيمة.
فالدولة غائبة والمعالجة غائبة اذا ومنذ سنوات، تتعاقب الحكومات اللبنانية من دون أن تتمكن من وضع استراتيجية مستدامة لإدارة النفايات الصلبة. ورغم التمويل الخارجي المتكرر، وورش العمل والدراسات، لا يزال الملف يتخبّط في التجاذبات السياسية، مع غياب رؤية متكاملة ترتكز على الفرز من المصدر، والتدوير، والمعالجة العلمية.
لا شك أن غياب الإدارة الرشيدة، والتدخلات السياسية في التلزيمات، واحتكار بعض الشركات للسوق، هي الأسباب الرئيسية لفشل كل محاولات الحل، حيث لا يمكن أن حل المشكلة بأكوام من المال أو الوعود، فالمطلوب قرار سياسي حازم، وخطة تنفيذية قابلة للتطبيق، ومحاسبة حقيقية.
واللافت أن الحلول ليست غائبة عن طاولة النقاشات، بل على العكس، تم إعداد أكثر من خطة وطنية منذ عام 2006 حتى اليوم، كلها تشير إلى ضرورة اعتماد إدارة لا مركزية للنفايات، وتشجيع البلديات على إقامة مراكز فرز محلية، وتحفيز المواطنين على الفرز من المصدر، إلى جانب التوسّع في اعتماد التقنيات الحديثة لإعادة التدوير.
لكن، وكما يشير العديد من الخبراء، فإن تطبيق هذه الخطط يصطدم بعوائق تبدأ من التمويل، ولا تنتهي عند المحسوبيات السياسية، ما يجعل من كل محاولة إصلاح أشبه بـ”إبرة في كومة نفايات”.
نختم لنقول أنه مع اقتراب فصل الأمطار، وتحول أزمة النفايات إلى خطر بيئي وصحي داهم، يبقى السؤال الأهم: هل يتحرّك المعنيون قبل أن تقع الكارثة؟ أم أننا سننتظر مجددًا حتى تغمر المياه الشوارع، وتختلط مياه الأمطار بالنفايات، لنبدأ في معالجة النتائج بدل الأسباب؟
اللبنانيون لا ينتظرون حلولاً إعجازية، بل فقط إرادة سياسية صادقة تُنهي هذا المسلسل المتكرر من الإهمال والتقصير.