الإليزيه: ما نعرضه ليس اعترافاً بدولة فلسطين فقط بل «خطة سلام متكاملة»
أخيراً، يحل الاثنين، موعد الاعتراف بدولة فلسطين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ستكون فرنسا والمملكة العربية السعودية، راعيتا مبادرة حلّ الدولتين، أول المتحدثين، ليتبعهما، بعد ذلك، قادة غالبية الدول العشر التي أعلنت رسمياً إقدامها على الاعتراف بالدولة العتيدة.
والمفارقة أن المعني الأول بهذا التحول (أي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) سيكون بعيداً عن القاعة الرئيسية للجمعية العامة في نيويورك بسبب رفض واشنطن منحه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، في ما يعدّه العديد من الدول «إخلالاً» بواجبات الدولة المضيفة. بيد أنه سيتحدث عن بعد في هذا الحدث، الذي ستغيب عنه إسرائيل والولايات المتحدة.

بالنظر إلى الدور الرئيسي الذي لعبته باريس في هذا التحول، فإن السؤال المطروح في الأوساط الفرنسية يتناول ردة الفعل الإسرائيلية التي لم يتردد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في اعتبار أن الاعتراف يمثل «مكافأة للإرهاب» ويوفر دعماً سياسياً لحركة «حماس»، بل وصلت به الأمور إلى التنديد بما وصفه بـ«تأجيج معاداة السامية»، وهي السردية التي تبنتها الأوساط الموالية لإسرائيل في فرنسا (سواء اليمين بجناحيه التقليدي والمتطرف أو مجموعات الضغط المنتشرة في الأوساط السياسية والإعلامية).
وترى مصادر دبلوماسية فرنسية أن ما يثير حنق إسرائيل هو أن ما كان في بداية الأمر مبادرة سعودية ــ فرنسية أساسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024، تحول إلى تيار دبلوماسي دافق وفاعل «نرى ترجمته اليوم».
وكانت باريس، منذ سنوات، تؤكد أنها عازمة على الاعتراف. إلا أنها ربطته باقتناص اللحظة المناسبة «حتى لا يكون عملاً معزولاً لا يقدم ولا يؤخر» على غرار ما قامت به إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا في مايو (أيار) 2024، والذي لم يغير من واقع الأمور شيئاً.

الاعتراف وخطة السلام
ثمة عناصر رئيسية وموضوعية تبرر الخطوة الفرنسية، أولها القناعة بأن تطورات حرب غزة وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون في الضفة الغربية من شأنهما «وأد أفق قيام دولة فلسطينية إلى الأبد»، وأنها «الحل الوحيد» المقبول لوضع حد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
والعنصر الثاني أن مواصلة الحرب والعنف والمشاريع الإسرائيلية ستزيد من ضرب استقرار منطقة مهتزة أصلاً. والعنصر الثالث أن ما سيجري الاثنين في نيويورك، كما يقول مصدر رئاسي «ليس مجرد اعتراف، بل خطة سلام متكاملة» يمكن أن تساعد على إنهاء الحرب في غزة، من خلال سيناريو متكامل، وتعرض تصوراً شاملاً لما سيجري «في اليوم التالي» في القطاع المنكوب وفي الدولة الفلسطينية.

يضاف إلى ما سبق أن الخطة التي أقرتها الأمم المتحدة خلال الشهر الحالي، وتعرف باسم «إعلان نيويورك»، توفر في حال تبنيها «بديلاً عن الحرب الدائمة» وتقدم حلولاً لحرب غزة وتدفع باتجاه إحلال سلام دائم والتزامات من الجانب العربي والذهاب الى «هندسة أمنية إقليمية» تكون إسرائيل جزءاً منها.
وأفادت مصادر الإليزيه بأن اجتماعاً برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون سيحصل في نيويورك للبحث في مقترح إيجاد «مهمة لتعزيز الاستقرار» ستكون إقليمية دولية. كذلك، عمدت باريس لـ«تثمين» التزامات الرئيس الفلسطيني التي ضمنها رسالته إلى ماكرون، والتي «كانت تطالب بها إسرائيل منذ سنوات». وأخيراً، فإن الخطة «ليست مجرد إعلان، بل هي خطة عملانية».
تهديدات إسرائيل
سعت باريس، في ما اعتبر مسعى لاجتذاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لتسويق المبادرة من زاوية أنها «استكمال» لما بدأه ترمب في عهده السابق، الذي أفضى الى «اتفاقيات أبراهام».

وباختصار، فإن مصادر الإليزيه تعتبر أن الخطة المقترحة «يجب أن تفضي إلى نتائج لصالح السلام في المنطقة ولأمن الجميع» وهو ما شدد عليه ماكرون في حديثه لـ«قناة 12» الإسرائيلية.
وبعكس ما تدعيه إسرائيل، فإن باريس تشدد على أن الخطة ستكن بمثابة «نهاية لـ(حماس)».غير أن هذه الحجج لم تنفع في دفع إسرائيل للتعامل مع الخطة بـ«ليونة»، بل عمدت لمحاربتها منذ أول يوم، وانضمت إليها واشنطن التي عملت على «ردع» الدول الراغبة بتبنيها. إلا أن الضغوط المشتركة الإسرائيلية – الأميركية، وآخرها تحذيرات وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، خلال زيارته إسرائيل بداية الأسبوع الماضي، لم تنفع. والدليل أن 142 دولة تبنت «إعلان نيويورك».
إزاء هذا الفشل، انتقلت إسرائيل إلى مرحلة التهديد بإجراءات ردعية تراها المصادر الرئاسية منقسمة إلى قسمين: الأول يتناول العلاقات الفرنسية – الإسرائيلية. والثاني الإجراءات الانتقامية بحق الفلسطينيين. ورغم تلويح إسرائيل بهذه التدابير، فإن مصدراً رئاسياً كبيراً أصرّ على أن باريس تعمل وفق «أجندة إيجابية ولا تريد الدخول في عملية تدابير انتقامية وتدابير مضادة… نحن نعمل من أجل بناء سلام صلب» في المنطقة.

من الناحية العملية، لا تبدو باريس قلقة لأنها راجعت ما قامت به إسرائيل بحق الدول الأوروبية الثلاث (إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا) العام الماضي بعد اعترافها بدولة فلسطين، وبينها استدعاء سفراء الدول المعنية إلى وزارة الخارجية للتعبير عن غضبها. ولاحقاً في ديسمبر (كانون الأول) 2024، عمدت إسرائيل إلى إغلاق سفارتها في دبلن «بسبب السياسات العدائية» لآيرلندا إزاءها. كذلك قامت إسرائيل بحملة سياسية ضد الدول الثلاث، وقررت منع وزراء إسبان من الدخول إليها، وتوعدت بإجراءات إضافية. بالمقابل، عمدت الدول الثلاث إلى اتخاذ إجراءات معاكسة، أهمها تلك التي أقرّتها إسبانيا مؤخراً.
المعاملة بالمثل
بالنظر لما سبق، لا تبدو باريس قلقة، خصوصاً أن مصادر متعددة تؤكد أنها ستعمد إلى اتباع سياسة «المعاملة بالمثل». ومن التدابير التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل تقليص تمثيل فرنسا الدبلوماسي، حتى إغلاق سفارة فرنسا أو قنصليتها في القدس. ومن الأمور الممكنة وضع اليد على مجموعة ممتلكات تاريخية تديرها فرنسا في القدس الشرقية والضفة الغربية. وتعتبر مصادر فرنسية أن لديها «خططاً جاهزة»، وأن أي تدبير إسرائيلي سيواجه بردّ مناسب.

أما الخطر الأكبر فعنوانه قيام إسرائيل بالانتقام من الفلسطينيين، ومن أشكال هذا الانتقام القيام بضم الضفة الغربية أو أجزاء منها أو الانطلاق في عملية استيطانية أوسع مما تقوم به حالياً، لجعل قيام دولة فلسطينية أمراً شبه مستحيل على الأرض. وسبق للكنيست أن صوّت على قرار يدعو الحكومة لضمّ الضفة. وسارعت مصادر الإليزيه، الجمعة، إلى التنبيه بأنها تعتبر عملية الضم «خطاً أحمر»، ولكن من دون الإشارة إلى ما سيكون عليه ردّها أو ردّ الدول الأوروبية. وحرصت مصادر الرئاسة على التذكير بأن دولة الإمارات حذّرت من انعكاسات أمر كهذا على التزامها باتفاقية أبراهام، وأن مصر أيضاً قد تعمد إلى اتخاذ إجراءات ما.

