رغم تعرض إيران لضربات إسرائيلية وهجمات أميركية استهدفت منشآتها النووية، فإنها تُسرّع جهودها لإعادة تسليح حلفائها في أنحاء الشرق الأوسط، وفق تقرير لـ«وول ستريت جورنال».
ومع ذلك، نفت طهران بشدةٍ هذه الاتهامات، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الادعاءات المتعلقة بإرسال أسلحة إلى اليمن بأنها «لا أساس لها من الصحة».
وأثّرت الضربات الأميركية والإسرائيلية التي استهدفت أصولاً إيرانية، هذا الربيع، على نفوذ طهران الإقليمي. ورغم ذلك، تتحرك إيران بسرعة، وفق الصحيفة، لتجديد مخزونها من الأسلحة ومواصلة دعم الجماعات التابعة لها في المنطقة، خصوصاً الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان.
ورغم نفي طهران، تزداد الأدلة على أن إيران تُواصل إرسال الدعم العسكري لتلك الجماعات، مما يُظهر إصرارها على الحفاظ على نفوذها لدى حلفائها من الفصائل.
شحنة الحوثيين
وفي الأسبوع المنصرم، اعترضت قوات خفر السواحل اليمنية، التابعة للمقاومة الوطنية، شحنة كبيرة من المُعدات العسكرية المتقدمة، بما في ذلك صواريخ وقِطع غيار لطائرات مُسيّرة ورؤوس حربية، كانت موجَّهة للحوثيين على الساحل المُطل على البحر الأحمر.
وقد جرى إخفاء الشحنة على متن سفينة شراعية تحت صناديق تحتوي على مكيفات هواء؛ في محاولة للتخفي. ومن بين المُعدات العسكرية المتقدمة التي جرت مصادرتها، صواريخ «قادر» الإيرانية المضادة للسفن، وأجزاء من نظام الدفاع الجوي «صقر»، وكلاهما استخدمه الحوثيون في هجمات ضد طائرات أميركية دون طيار.
تأتي المصادرة الأخيرة بعد سلسلة من الضربات الجوية الأميركية، في وقت سابق من هذا العام، والتي استنزفت مخزون الحوثيين بشكل كبير.
وأشار تقرير «وول ستريت جورنال» إلى أن حجم وتوقيت هذه الشحنة يشيران بقوة إلى رغبة إيران بإعادة تسليح الحوثيين بسرعة، بعد استنزاف مخزوناتهم بسبب الضربات الجوية الأميركية.
ويُعدّ تجديد ترسانة الحوثيين عنصراً محورياً في استراتيجية طهران لمواصلة الضغط على إسرائيل وحركة الملاحة التجارية في البحر الأحمر، وهي منطقة حيوية للتجارة العالمية.
وردّاً على هذه الاتهامات، جدَّد المتحدث باسم «الخارجية» الإيرانية، إسماعيل بقائي، نفيه إرسال إيران أسلحة إلى الحوثيين، واصفاً الاتهامات بأنها «لا أساس لها»، ومؤكداً أن طهران لا علاقة لها بتوريد السلاح إلى الحوثيين. لكن حجم الشحنات المضبوطة والعدد المتزايد من عمليات الاعتراض التي تُنفذها حكومات عدة في المنطقة يثيران شكوكاً كبيرة حول صدقية هذه التصريحات، وفق تعبير «وول ستريت جورنال».
سيناريو العراق الصعب
سلّط التقرير الضوء أيضاً على أن تحركات إيران تأتي ضمن استراتيجية إقليمية أوسع تهدف إلى تعزيز شبكة حلفائها من الميليشيات.
وفي سوريا، تمكنت الحكومة الجديدة من اعتراض عدة شحنات أسلحة موجّهة لـ«حزب الله»، وشملت هذه المصادرات صواريخ غراد، وأسلحة أخرى مخصصة لأنظمة الإطلاق المتعدد.
وفي الوقت نفسه، اعترض الجيش اللبناني شحنات أسلحة، من بينها صواريخ روسية مضادة للدبابات، كانت تمر عبر سوريا.
وأوضح مايكل نايتس، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن تصاعد عمليات تهريب الأسلحة يُظهر استمرار إيران في دعم قواتها بالوكالة رغم النكسات العسكرية.
وقال نايتس: «إيران تعيد بناء وجودها في بلاد الشام، من خلال إرسال صواريخ إلى (حزب الله) ونقل أسلحة من العراق إلى سوريا. إن تجارة السلاح هذه جزء من طموح إيران المتواصل للحفاظ على نفوذها في المنطقة».
وأكد أن أنشطة إيران في سوريا ولبنان تعكس أهدافها الاستراتيجية الأوسع في الحفاظ على شبكة من الميليشيات لحماية مصالحها في الشرق الأوسط.
ونفى فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الحكومة العراقية، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، صحة معلومات الصحيفة فيما يتعلق باستخدام العراق لنقل أسلحة إيرانية. وقال إن «المُعطيات المنشورة تفتقر إلى المصداقية وتنطلق من دوافع مسبقة».
واستبعد الخبير الأمني مخلد حازم سيناريو نقل الأسلحة الإيرانية إلى الوكلاء عبر العراق. وقال، لـ«الشرق الأوسط»، إن السيناريو الوحيد الممكن هو عبر بلدة سنجار وبمساعدة خلايا تابعة لفلول بشار الأسد، لتصل إلى أحد المعابر اللبنانية غير الرسمية أو عبر أنفاق إذا كانت موجودة فعلاً».
ومع ذلك، يقول حازم إن هذا السيناريو شِبه مستحيل أو صعب بوجود القوات السورية الحالية والمنتشرة على الشريط الحدودي مع لبنان.
شحنات صغيرة إلى لبنان
يُعد «حزب الله» حليفاً محورياً لإيران في صراعها الإقليمي على النفوذ، وقد واجه صعوبات كبيرة في إعادة التسلح بعد حملة جوية إسرائيلية استمرت 12 يوماً في الخريف الماضي. وأسفرت العملية الإسرائيلية عن خسائر فادحة للجماعة اللبنانية، حيث دمّرت جزءاً كبيراً من قيادتها وترسانتها.
ورغم الخسائر، تمكّن «حزب الله» من الحفاظ على شيء من قدراته العسكرية، بما في ذلك تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المُسيّرة، كما تقول الصحيفة الأميركية، التي تحدثت عن «إعادة هيكلة شبكات التهريب الخاصة بالجماعة اللبنانية لنقل الأسلحة في شحنات صغيرة عبر سوريا والعراق، وجرى إخفاء بعضها تحت غطاء المساعدات الإنسانية».
وقال مايكل كرداش، نائب رئيس وحدة تفكيك المتفجرات في الجيش الإسرائيلي سابقاً، إن سقوط نظام بشار الأسد جعل من الصعب على «حزب الله» الحصول على الأسلحة، مما اضطر المهرّبين إلى العمل بطرقٍ أكثر سرية.
وأضاف كرداش: «شهدنا، خلال الأشهر الأخيرة، ازدياداً في محاولات التهريب التي تنطلق من سوريا أو تمر عبرها، باتجاه (حزب الله) في لبنان». وهذه الشحنات الصغيرة والمتخفية يصعب اكتشافها، وتتيح لـ(حزب الله) مواصلة عملياته داخل لبنان وخارجه.
ورغم أن «حزب الله» يواجه صعوبات في إعادة تسليح نفسه، فقد نجح في تصنيع طائراته المُسيّرة وصواريخه متوسطة المدى، ما يعكس مرونة شبكة الوكلاء التابعة لإيران.
وتُعد الحدود الشمالية للبنان مع سوريا، والتي يبلغ طولها أكثر من 375 كيلومتراً، مسرحاً معقداً للتهريب منذ عقود، بفعل طبيعة الأرض والتداخل الجغرافي والسكاني. لكن التداخل الديمغرافي في المنطقة يسمح بالتنقل السهل بين البلدين.
وكان «حزب الله» قد فرض سيطرته على المنطقة الحدودية، من الجانبين اللبناني والسوري، قبل أن تتغير الوقائع الميدانية والسياسية منذ انهيار نظام بشار الأسد.
وخلال الأشهر الماضية، تمكنت أجهزة الأمن السورية من ضبط شحنات أسلحة وذخائر كانت مُعدّة للتهريب إلى لبنان، يُعتقد أنها كانت متجهة لـ«حزب الله».