حملة ترمب ضد خصومه… تصفية حسابات أم تصحيح للعدالة؟
في عهده الثاني، أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح ملفات قديمة لاستهداف خصومه السياسيين الذين توعَّد بمحاسبتهم خلال السباق الرئاسي. وتحوَّلت هذه الوعود إلى أفعال، وبدأت حملة الملاحقة، من طرد عشرات الموظفين في وزارة العدل شاركوا في التحقيق ضده، مروراً بالتدقيق في الميول الحزبية لموظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووصولاً إلى مقاضاة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) السابق جايمس كومي، والمدعية العامة ليتيسيا جايمس، ومستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون.
ولم يتوقف الرئيس الأميركي عند هذا الحد؛ بل يسعى اليوم إلى مطالبة الحكومة الفيدرالية بتعويضات قيمتها 230 مليون دولار بسبب الملاحقات القانونية له قبل انتخابه رئيساً.
يستعرض برنامج تقرير واشنطن خلفيات هذه الملاحقات، وتسييس النظام القضائي، وما إذا كانت هذه التحركات جزءاً من حملة انتقام ممنهجة وتصفية حسابات، أم أنها مسار لتصحيح العدالة.
قضية جون بولتون

مستشار ترمب السابق للأمن القومي جون بولتون كان آخر من تم توجيه التهم له في الأيام الأخيرة، بسبب احتفاظه بوثائق سرية. يقول الرجل المعروف بانتقاده العلني لترمب، والذي يُعدُّ أحد أبرز «صقور» الجمهوريين، إن هذه التهم مسيَّسة، وإنه أصبح «الهدف الأخير لتسييس القضاء وملاحقة خصوم ترمب».
ويرى بول بيليتيي، المسؤول السابق في وزارة العدل، والمدعي العام الفيدرالي السابق، أنه رغم وجود حملة ملاحقة كبيرة بحقِّ خصوم ترمب السياسيين، فإن قضية بولتون مختلفة عن غيرها، نظراً لوجود دلائل كثيرة تُثبت احتفاظه بوثائق سرية، ومشاركتها بطريقة غير قانونية مع أشخاص آخرين، على عكس قضيتَي كومي وجايمس «المسيستين بامتياز»، على حد قوله.
وأضاف أن «محتوى قضية بولتون مختلف، ومتعلق بمعلومات سرية استغلَّها في مسيرته المهنية. كما أن المدعين الذين وجَّهوا التهم ضده ليسوا مسيسين كأولئك الذين عيَّنهم ترمب في قضيتَي كومي وجايمس».
من ناحيته، يقول دايفيد سافافيان، نائب الرئيس التنفيذي والمستشار القانوني العام السابق لمؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC) إنه «من المؤسف أن يختبئ بولتون وراء ذريعة التسييس»؛ مشيراً إلى التهم المفصلة والخطيرة التي يواجهها، والتي قد تؤدي إلى زجِّه في السجن لمدة 10 أعوام. ويضيف: «جون بولتون كان من المنتقدين الشرسين للرئيس، وانتقد أشخاصاً آخرين بسبب احتفاظهم بمعلومات سرية، وتحدث عن خطر ذلك. ولكنه احتفظ بمعلومات مماثلة، وأرسل بريداً إلكترونياً بشأنها تمت قرصنته من قبل إيران. إنه أمر مذهل».
أما البروفسور فرانك بومان، أستاذ القانون في جامعة ميزوري، والمدعي الفيدرالي السابق، فيختلف مع الدافع وراء محاكمة بولتون، معتبراً أن المسألة مسيسة، وأنها جزء من مساعي ترمب للثأر من خصومه كما توعَّد. ويعتبر بومان أنه رغم جدية الاتهامات بحق بولتون، فإن سبب ملاحقته وفتح ملفه اليوم هو «سياسي بامتياز» على حد تعبيره.
تسييس القضاء

قبل بولتون، واجه خصمان آخران لترمب -هما مدير «إف بي آي» السابق جايمس كومي، والمدعية العامة في نيويورك ليتيسيا جايمس- تهماً مختلفة. الأول تم اتهامه بتضليل الكونغرس، والثانية بالغش في استمارتها العقارية.
ويعرب بيليتيي هنا عن دهشته العميقة من هذه التهم؛ مشيراً إلى أنه عمل في وزارة العدل الأميركية منذ عهد الرئيس السابق رونالد ريغان إلى عهد باراك أوباما، وأنه لم ير قطّ تصرفات من النوع التي تقوم بها وزارة العدل الحالية والبيت الأبيض في مسألة الملاحقات والعفو. وتابع: «لطالما كان هناك بعض التسييس في قرارات من هذا النوع. ولكن ما يحدث الآن هو جنوني. لقد تم طرد مدعين عامين لم يوافقوا على ملاحقة الخصوم. هذا لم يحدث من قبل».
لكن سافافيان يخالف بيليتيي الرأي، معتبراً أن التسييس أمر طبيعي في الإدارات الأميركية. ويقول إن المختلف الآن هو أن «ترمب أكثر شفافية في توجهاته، وأنه أكد أكثر من مرة ألا أحد فوق القانون». وهبَّ بومان رافضاً لهذه النقطة، مذكراً بقرارات العفو التي أصدرها ترمب، مضيفاً أن «الرئيس يستعمل قرار العفو كوسيلة لمواساة الأشخاص الذين يساندونه سياسياً، وتشجيع التصرفات والسلوكيات التي تشمل الانتهاكات والتي تخدم مصالحهم ومصالحه شخصياً».
وأشار بومان إلى قرارات عفو شملت تُهماً بالنصب والاحتيال، كالعفو عن النائب الجمهوري السابق جورج سانتوس. وقال: «لم يحصل أمر من هذا النوع في تاريخ رئاسة الولايات المتحدة. فلدينا من جهة رئيس يقوم بتسييس القضاء ضد أعدائه وخصومه، وفي الوقت نفسه يستخدم وزارة العدل كوسيلة للعفو عن أشخاص جرَّمهم النظام القضائي من الداعمين له. هؤلاء الأشخاص هم الوحيدون الذين يحصلون على الدعم والعفو».
انتقام أم عدالة؟

تاريخ ترمب حافل بالتوعد والتهديد بمحاسبة خصومه، فقد عبَّر عن غضبه العارم مما وصفه بحملة «مطاردة الساحرات» التي استهدفته في إطار التحقيق في التواطؤ مع روسيا، إلى اقتحام «الكابيتول» ومساعي عزله في الكونغرس، إلى عملية دهم منزله في مارالاغو بتهم احتفاظه بوثائق سرية.
ويسعى سيد البيت الأبيض للحصول على تعويضات بقيمة 230 مليون دولار من وزارة العدل المنضوية في إدارته. ويقول سافافيان إن ترمب يستحق هذا التعويض: «لأنه دفع ثمناً باهظاً نتيجة لملاحقته المستمرة لأعوام». وأضاف: «هل أظن أن مبلغ 230 مليون دولار هو رقم باهظ؟ نعم. ولكنه مبرر. فوزارة العدل السابقة استهدفت ترمب سياسياً، وهو يريد اليوم تعويضاً عن ذلك».
لكن بومان يصف ما يجري بـ«تضارب المصالح»، ويعتبره «دليلاً على الفساد»، مضيفاً: «إنه يريد أخذ ملايين الدولارات من الحكومة الفيدرالية لوضعها في حسابه الشخصي. هذا شيء جنوني ليست له سابقة. هو سيأخذ هذه الأموال من دافع الضرائب الأميركي».

									 
					